سد النهضة والحملة الإثيوبية.. التضليل الرقمي والتهديدات للأمن المائي لمصر والسودان

سد النهضة والحملة الإثيوبية.. التضليل الرقمي والتهديدات للأمن المائي لمصر والسودان

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الإقليم، لم تعد المعارك تدار فقط في ميادين السياسة أو الدبلوماسية، بل انتقلت بقوة إلى ساحات الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى أدوات رئيسية لتشكيل الوعي وتوجيه الرأي العام، وبث الرسائل المضللة.

ومن بين أكثر القضايا التي تتعرض لحملات تشويه ممنهجة، يبرز ملف سد النهضة، الذي بات محورًا لحرب إعلامية تستهدف مصر والسودان، وتسعى لإعادة صياغة الحقائق بما يخدم أجندات إقليمية محددة.

حملات تضليل منظمة عبر منصات التواصل

خلال متابعتي لمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وبخاصة منصة «تيك توك»، برزت ملامح حملة إعلامية إثيوبية منظمة، تقوم على الهجوم المباشر على مصر والسودان، والترويج لروايات تزعم سعي البلدين إلى هدم السد الإثيوبي. 
وتهدف هذه السرديات إلى توحيد الصف الداخلي الإثيوبي، وتعبئة الرأي العام خلف خطاب قومي متشدد، يتجاوز قضية السد إلى طموحات أوسع، من بينها السعي للوصول إلى البحر الأحمر، تحت لافتات سياسية وإعلامية مضللة.
ولا تقف هذه الحملة عند حدود الخطاب الداخلي، بل تمتد لتشويه صورة مصر في المجتمع الدولي، عبر نشر معلومات مغلوطة تتجاهل الحقائق القانونية والفنية، وتتغافل عن المخاطر الحقيقية التي يفرضها السد على الأمن المائي لدولتي المصب، في مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي وأسس التعاون العابر للحدود.

توظيف معارضين في الخارج لخدمة أجندات خارجية

ومن خلال رصد المحتوى المتداول، يتضح اعتماد إثيوبيا على بعض الأصوات المحسوبة على جماعة الإخوان في الخارج، ومن بينهم حمدي سليمان، الذي يقدّم نفسه كـ«ناشط سياسي»، رغم تورطه سابقًا في محاولات اعتداء على مقار دبلوماسية مصرية.
ويظهر سلمان في مقاطع مصورة أمام سد النهضة، مهاجمًا الدولة المصرية والسد العالي، ومحاولًا استغلال القضية النوبية في مصر والسودان، لتقديم نفسه مدافعًا عن حقوقها، في حين يوظف هذه القضايا لخدمة خطاب سياسي يتماهى مع الرواية الإثيوبية.

حمدي سليمان من أمام سد النهضة الأثيوبي 
حمدي سليمان من أمام سد النهضة الأثيوبي 

ويذهب هذا الخطاب إلى حد نفي أي تأثير لسد النهضة على مصر والسودان، ووصم التحذيرات الرسمية والعلمية بأنها «ادعاءات كاذبة»، وهو ما يكشف بوضوح محاولات تصدير شخصيات بلا رصيد وطني إلى واجهة المشهد الرقمي، بهدف إرباك الرأي العام، وتقويض الثقة في مؤسسات الدولة، دون أدنى اعتبار لمصالح الوطن أو لحقائق العلم.

السد بين المعارضة الحقيقية والمزايدات الرقمية

إن الفارق واضح بين معارضة وطنية حقيقية، تنطلق من الحرص على المصلحة العامة، وتدرك أن سد النهضة بصيغته الحالية يمثل خطرًا استراتيجيًا على مصر، وبين أصوات رقمية تمارس المزايدة وتروّج لأجندات خارجية. 
فالمعارض الحقيقي لا ينكر حجم التهديد، ولا يستخف بالأمن المائي، بل يطالب بحلول عادلة وملزمة تحفظ حقوق جميع الأطراف وفق القانون الدولي.

أدوار إقليمية مقلقة وتداعيات على السودان

ولا يمكن فصل هذه الحملات الإعلامية عن الدور الإثيوبي المثير للجدل في الإقليم، لا سيما فيما يتعلق بالأزمة السودانية، حيث تتزايد الاتهامات بشأن دعم مليشيا الدعم السريع بالسلاح، وتسهيل تحركات جماعات مسلحة عبر منطقة الفشقة، التي لا تزال محل نزاع واحتلال من قبل إثيوبيا، وهو ما يسهم في تعميق حالة عدم الاستقرار، ويضاعف من المخاطر الأمنية في المنطقة.

دعوة لتحرك مصري إعلامي ودبلوماسي شامل

في ضوء ما سبق، تبرز الحاجة الملحة إلى تحرك مصري منظم وواسع النطاق، عبر إطلاق حملة إعلامية ودبلوماسية عالمية وأفريقية، تقوم على عرض الحقائق بالمستندات والأدلة، وتفكيك الروايات المضللة حول سد النهضة.

كما يبرز أهمية دعوة نخب فكرية وإعلامية وشبابية من مختلف الدول، على غرار تجربة «مؤتمر شباب العالم»، لتشكيل منصة دولية تعكس الرواية المصرية القائمة على القانون الدولي والحقائق العلمية.

ويبقى الدور المنوط بالمؤسسات الوطنية، بما في ذلك الأجهزة المعنية، محوريًا في كشف الوثائق التي تفضح حملات التضليل، وتوضح حجم الأكاذيب المتداولة، دفاعًا عن الأمن القومي المصري، وصونًا لحقوق الشعوب في التنمية والحياة، بعيدًا عن الابتزاز الإعلامي والتوظيف السياسي المشبوه.

علي فوزي الباحث في الشؤون الإفريقية 
علي فوزي الباحث في الشؤون الإفريقية