كيف جرى استدراج أفارقة إلى الحرب في أوكرانيا؟

كيف جرى استدراج أفارقة إلى الحرب في أوكرانيا؟

منذ تصاعد الحرب الروسية–الأوكرانية، بدأت تتكشف قصص لمواطنين أفارقة وصلوا إلى روسيا بحثا عن فرص عمل أو دراسة، قبل أن يجدوا أنفسهم فجأة في قلب نزاع مسلح. هذه الحالات لم تظهر دفعة واحدة، بل عبر تقارير متفرقة، ثم بدأت تتخذ نمطا متكررا وثقته وسائل إعلام دولية ومؤسسات بحثية.

في تقرير نشرته قناة الجزيرة في نوفمبر 2025، نقلت عن وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها قوله إن أكثر من 1400  مقاتل من 36 دولة إفريقية يقاتلون إلى جانب القوات الروسية.

ورغم أن موسكو لم تصدر أرقاما رسمية تؤكد أو تنفي هذه البيانات، فإن الرقم ذاته تكرر في تقارير وتحقيقات إعلامية وبحثية نُشرت خلال عامي 2024 و2025، ما أعاد فتح النقاش حول آليات التجنيد وحدود الطوعية فيها.

تعود الخلفية القانونية لهذه الظاهرة إلى نوفمبر 2022، عندما وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما يسمح للأجانب بالانضمام إلى القوات المسلحة الروسية. وقد تناولت وسائل إعلام أوكرانية ودولية هذا المرسوم بوصفه نقطة تحول في سياسة التجنيد.
وتشير تحليلات لاحقة إلى أن هذا الإطار القانوني وفّر أساسا رسميا لتجنيد غير المواطنين، لكنه في الوقت نفسه فتح الباب أمام ممارسات متفاوتة على مستوى التنفيذ، خاصة عند التعامل مع مهاجرين لا يمتلكون معرفة كافية باللغة أو بالقوانين المحلية.

في تحقيق نُشر عام 2025، وثّقت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) شهادات لمواطنين من كينيا ودول إفريقية أخرى قالوا إنهم تلقوا عروض عمل في روسيا، شملت وظائف في الأمن أو المصانع أو الخدمات.

وبحسب التحقيق، فوجئ بعضهم بعد وصوله بطرح خيار التوقيع على عقود عسكرية، في ظل أوضاع إقامة غير مستقرة، ما جعل الرفض محفوفا بالمخاطر. وتصف BBC هذه الحالات بأنها “تداخل بين العمل والهجرة والتجنيد العسكري”.

تقرير بحثي صادر عن المعهد البريطاني للدراسات الدولية (BISI) في 2025 اعتبر أن إفريقيا أصبحت إحدى مناطق “التجنيد البديلة” في سياق الحرب، مع تراجع أعداد المتطوعين المحليين.

ويرى التقرير أن الأرقام المتداولة، حتى مع اختلاف مصادرها، تشير إلى اتجاه عام يستحق المتابعة، لا سيما مع استمرار الحرب وارتفاع كلفتها البشرية.

إلى جانب الأرقام، نشرت منصات إعلامية خلال عام 2025 شهادات لأفراد قالوا إنهم لم يدركوا طبيعة العقود التي وقعوها. وفي تقرير لموقع UNITED24، تحدث طالب من توغو عن انتقاله من عمل مدني إلى موقع عسكري خلال فترة قصيرة.

وتُعرض هذه الشهادات عادة بوصفها حالات فردية، لكنها، حسب مراقبين، تكتسب دلالة أوسع عند قراءتها إلى جانب البيانات والتقارير المتكررة.

حتى الآن، اقتصرت ردود الفعل الرسمية في الدول الإفريقية المعنية على بيانات محدودة تطالب بالتحقق من أوضاع مواطنيها، دون إعلان عن آليات متابعة مستدامة، ويرى محللون أن هذا الغياب يساهم في بقاء الملف مفتوحا، خاصة مع استمرار تدفق التقارير الحديثة.
وتعكس هذه المعطيات المتاحة أن ملف تجنيد الأفارقة في الحرب الأوكرانية لم يعد مجرد قصص متفرقة، بل قضية تخضع لمتابعة إعلامية وبحثية متواصلة.

 وبين الأرقام الرسمية والتقديرات غير المؤكدة، تظل الأسئلة مطروحة حول طبيعة هذه العقود، وحدود الطوعية فيها، ودور الحماية القنصلية للمهاجرين.